سورة الصافات - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)}
{والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} يعني خلقكم وخلق ما تعملونه من الأصنام، كقوله: {بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السموات والأرض الذى فطَرَهُنَّ} [الأنبياء: 56] أي فطر الأصنام.
فإن قلت: كيف يكون الشيء الواحد مخلوقاً لله معمولاً لهم، حيث أوقع خلقه وعملهم عليها جميعاً؟ قلت: هذا كما يقال: عمل النجار الباب والكرسي، وعمل الصائغ السوار والخلخال، والمراد عمل أشكال هذه الأشياء وصورها دون جواهرها، والأصنام جواهر وأشكال، فخالق جواهرها الله، وعاملوا أشكالها الذين يشكلونها بنحتهم وحذفهم بعض أجزائها، حتى يستوي التشكيل الذي يريدونه.
فإن قلت: فما أنكرت أن تكون ما مصدرية لا موصولة، ويكون المعنى: والله خلقكم وعملكم، كما تقول المجبرة؟ قلت؛ أقرب ما يبطل به هذا السؤال بعد بطلانه بحجج العقل والكتاب: أن معنى الآية يأباه إباء جلياً، وينبو عنه نبوّاً ظاهراً، وذلك أن الله عزّ وجلّ قد احتج عليهم بأنّ العابد والمعبود جميعاً خلق الله، فكيف يعبد المخلوق المخلوق، على أن العابد منهما هو الذي عمل صورة المعبود وشكله، ولولاه لما قدر أن يصوّر نفسه ويشكلها، ولو قلت: والله خلقكم وخلق عملكم، ولم يكن محتجاً عليهم ولا كان لكلامك طباق. وشيء آخر: وهو أن قوله: {وَمَا تَعْمَلُونَ} ترجمة عن قوله: {مَا تَنْحِتُونَ} و(ما) في {مَا تَنْحِتُونَ} موصولة لا مقال فيها فلا يعدل بها عن أختها إلاّ متعسف متعصب لمذهبه، من غير نظر في علم البيان، ولا تبصر لنظم القرآن.
فإن قلت: اجعلها موصولة حتى لا يلزمني ما ألزمت، وأريد: وما تعملونه من أعمالكم.
قلت: بل الإلزامان في عنقك لا يفكهما إلاّ الإذعان للحق، وذلك أنك جعلتها موصولة، فإنك في إرادتك بها العمل غير محتج على المشركين، كحالك وقد جعلتها مصدرية، وأيضاً فأنك قاطع بذلك الصلة بين ما تعملون وما تنحتون، حتى تخالف بين المرادين بهما؛ فتزيد بما تنحتون: الأعيان التي هي الأصنام، وبما تعملون: المعاني التي هي الأعمال؛ وفي ذلك فك النظم وتبتيره؛ كما إذا جعلتها مصدرية.


{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)}
{الجحيم} النار الشديدة الوقود، وقيل: كل نار على نار وجمر فوق جمر، فهي جحيم. والمعنى: أن الله تعالى غلبه عليهم في المقامين جميعاً، وأذلهم بين يديه: أرادوا أن يغلبوه بالحجة فلقنه الله وألهمه ما ألقمهم به الحجر، وقهرهم فمالوا إلى المكر، فأبطل الله مكرهم وجعلهم الأذلين الأسفلين لم يقدروا عليه.


{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)}
أراد بذهابه إلى ربه: مهاجرته إلى حيث أمره بالمهاجرة إليه من أرض الشام؛ كما قال: {إني مهاجر إلى ربي} [العنكبوت: 26] {سَيَهْدِينِ}؟ سيرشدني إلى ما فيه صلاحي في ديني ويعصمني ويوفقني، كما قال موسى عليه السلام: {كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] كأن الله وعده وقال له: سأهديك، فأجرى كلامه على سنن موعد ربه. أو بناء على عادة الله تعالى معه في هدايته وإرشاده. أو أظهر بذلك توكله وتفويضه أمره إلى الله. ولو قصد الرجاء والطمع لقال، كما قال موسى عليه السلام: {عسى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السبيل} [القصص: 22]. {هَبْ لِى مِنَ الصالحين} هب لي بعض الصالحين، يريد الولد، لأنّ لفظ الهبة غلب في الولد وإن كان قد جاء في الأخ في قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هارون نَبِيّاً} [مريم: 53] قال عزّ وجلّ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} [الأنعام: 84] {وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} [الأنبياء: 90] وقال علي بن أبي طالب لابن عباس رضي الله عنهم- حين هنأه بولده عليّ أبي الأملاك-: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب. ولذلك وقعت التسمية بهبة الله، وبموهوب، ووهب وموهب، وقد انطوت البشارة على ثلاث: على أن الولد غلام ذكر، وأنه يبلغ أوان الحلم، وأنه يكون حليماً، وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح، فقال: {ستجدني إن شاء الله من الصابرين}، ثم استسلم لذلك. وقيل: ما نعت الله الأنبياء عليهم السلام بأقل مما نعتهم بالحلم وذلك لعزة وجوده ولقد نفت الله. به إبراهيم في قوله: {إِنَّ إبراهيم لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]، {إِنَّ إبراهيم لحليم أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [هود: 75] لأنّ الحادثة شهدت بحلمهما جميعاً.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11